هل تعلم ماهي الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منهاوحملها الإنسان؟

إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا

   

عندما تستيقظ من نومك؛ تفتح عينيك وتبدأ الأفكار في التسلل رويدا إلى ذهنك الناعس، بتلقائية شديدة تقوم من سريرك لتغسل وجهك، أو تلقي نظرة سريعة على هاتفك؛ أو ربما تظل مستلقيا في سريرك متأملا السقف، في هذه اللحظة تخيل الآتي..

ماذا لو كنت تستيقظ من نومك كل يوم، لتجد نفسك مبرمجا على فعل أشياء محددة في وقت محدد بدون القدرة على تغيير مسارك، تستيقظ في تمام الساعة السابعة صباحا، تتحرك في مسار محدد لا يمكنك تغييره، تقول نفس الكلمات لنفس البشر، وتنظر إلى نفس الأشياء وتخطر على بالك نفس الأفكار، ولا تستطيع تخيل مسار مختلف أو أفكار مبتكرة، ولا تستطيع القيام بأفعال جديدة، فأنت قصة تتكرر كل يوم بنفس السيناريو، وآلة بلا إرادة، لا تستطيع التمرد والخروج على مسارها الذي تسير فيه كل يوم..!

هذا هو الشعور الذي ربما قد يشعر به أي كائن سلبت منه حرية الإرادة، أما أنت فقدرتك على اختيار مسارك نحو قدرك من بين آلاف المسارات المتعددة هي أعظم هدية منحت لمخلوق في هذا الكون العظيم.. أنت حر طليق، تضحك، تبكي، تقفز، تنزلق، تجري، تزحف، تصرخ، تهمس، تلتفت يمنة ويسرة، ترفض، توافق، تفرح، وتحزن، تفكر وتخطط وتنفذ، تتألم وتستمتع، تذنب وتستغفر، تصدق وتكذب، تؤمن وتكفر، ترتكب الحماقات وتصنع المعجزات، أنت أعجوبة صنعها الله تعالى ووضعها على هذه الأرض لتثبت أن الأجمل من اضطرارك للخضوع إلى الخالق عز وجل، أن تخطو بقدميك وبمحض إرادتك نحو الخالق عز وجل..

هل تذوقت طعم الأمانة التي منحها الله تعالى لك؟ إنها مسؤولية ثقيلة، تنوء بحملها السموات والأرض والجبال، ولكنك أيها الإنسان حملتها  لأنك تجهل خطورة ما تحمله، وربما لأنك كائن يسهل أن يرتكب الأخطاء الجسيمة ولكن.. لا تقلق، فمن منحك هذه الخاصية التي يحار فيها العقل، رزقك معها ترسانة من الأدوات التي تعينك على حمل الأمانة والقيام بها خير قيام.. فلتفكر قليلا، لديك العقل والوعي والإدراك لكل ما حولك، لديك قلب غامر بالحب وبالمشاعر الراقية، لديك بوصلة داخلية ترشدك إلى الصواب دائما، لديك دافع أخلاقي يجذبك نحو الرحمة والتعاطف وفعل الخيرات، كما أن لديك استبشاع فطري لأفعال الشر والقسوة وارتكاب الموبقات، ورغم ذلك لم يتركك الخالق عز وجل وحيدا، أرسل لك القدوة من الرسل، والمنهج من الكتب السماوية، فلم يعد لك حجة إن زللت، ولن يكون لك عذر إن ضللت.

ليعذب الله المنافقين والمنافقات، و المشركين والمشركات، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات..

وكان الله غفورا رحيما.

فالبداية كانت عرض الأمانة على من يحملها.. والنهاية كانت غفرانا ورحمة من الذي حملك الأمانة لأنه يريدك أن تحبه بحر إرادتك وتأتيه بمحض اختيارك.

فهل ستضيع فرصتك التاريخية لتري الله تعالى من نفسك أفضل ما فيك؟

أم ستكون من بين المحتفلين بالقرب من الذات العلية، وأصحاب السعادة والعيشة الهنية؟

إنها الأمانة.. أجمل هدية من رب البرية.